'/> من أساليب الكفار في إيقاع المسلمين في الفتنة والاقتتال | الكرامة نيوز

من أساليب الكفار في إيقاع المسلمين في الفتنة والاقتتال

 من أساليب الكفار في إيقاع المسلمين في الفتنة والاقتتال
الكرامة نيوز نقلا عن مجلة صوت الامة العدد(14)، بتأريخ رجب 1435هـ

 الصراع الجاري بين المسلمين اليوم أو بالأمس لم يكن صراعاً طبيعياً؛ لأنه مما ينكره الإسلام وينافي طبيعته. فقد بعث الله محمداً _صلى الله عليه وسلم_ في العرب بالإسلام ديناً خاتماً للأديان، وجعل عقيدته عقلية قطعية روحية سياسية؛ أي عقيدة توحيد ووحدة، فكرة ونظاماً كاملاً شاملاً لحياة الفرد والمجتمع والدولة، ورضيه للعالمين، وتكفل بحفظه إلى يوم الدين. وقد فرض الإسلام اسماً وهويةً للمؤمنين به، وعقيدته رابطة تجمعهم وتوحدهم إخوة فيه وأمة من دون الناس، لا فرق بين عربي وعجمي ولا أبيض وأسود منهم إلا بالتقوى. وفرض أن يكون المسلمون جميعُهم أمة في دولة، وحرّم أن يتعدد سلطان الأمة. فكانت وحدة المسلمين وبلادهم في دولة تطبق الإسلام في الحياة الخاصة والعامة، وتحمل الإسلام إلى العالم لإنقاذه من الكفر والضلال قضية مصيرية، أوجب أن يُتخذ تجاهها إجراء الحياة أو الموت


على أساس هذا الفهم العميق المستنير للإسلام وما تفرضه عقيدته من قضايا وما تفرضه من إجراء تجاهها، حمل النبي الكريم وحزبه من الصحابة الكرام العقيدة الإسلامية بطريقها السياسي، وخاضوا بها ومن أجلها معترك الصراع الفكري ضد العقائد الجاهلية وتصوراتها، والكفاح السياسي ضد قواها ونظمها، حتى آمن به أهل المدينة ووجدت القاعدة الشعبية واستلم الحكم في بيعة العقبة الثانية ليهاجر بعدها إلى المدينة ويضع الإسلام موضع تطبيق؛ فنشأت الأمة وقامت الدولة. وبذلك المستوى من الوعي والإدراك لمبدأ الإسلام عند المسلمين الأوائل، ومسؤليتهم في الحياة أمة ودولة، حملوا خاتمة رسالات الله إلى العالم بالجهاد؛ لهداية الناس والحكم بما أنزل الله بينهم؛ حكم رعاية وعدل وقسمة للمال بينهم بالسوية، ففتح الله بهم أرضه، وتمكنت في فترة وجيزة لا تعد لمحة في حياة الأمم من هدم القطبين الدوليين (فارس والروم) وانتزاع مركز الدولة الأولى في العالم منهما، برغم أن لا مجال لمقارنة ميزان القوى بينها وبين الإمبراطوريتين. وعاش المسلمون ومعهم أهل ذمتهم قروناً من الزمن في ظل حكم الإسلام وسلطان الأمة وأمانها، ينعمون بالعدل وكرامة العيش، ويتنقلون في دولة واسعة الأرجاء، لا تفصل بين ديارها على اتساعها حدود، ولا تقف في وجوههم حواجزُ، ولا أثرَ فيها للتمييز بينهم على أساس التراب (الوطن) أو الدم والعرق (القومية)، أو اللون، أو الدين، أو الطائفة، أو المذهب، أو المستوى المادي أو الاجتماعي أو غيره. ومن هنا فالصراع المادي بين المسلمين لا موجب له وهو صراع مفتعل دوماً وتقف خلفه نزوات بشرية خاطئة أو قوى معادية للإسلام والأمة. ومما لا شك فيه أن سنة الله الجارية في الحياة تقضي بحتمية الصراع بين الحق والباطل وديمومته حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلا يلتقي الكفر والإسلام وقواهما في غير معركة الصراع الفكري أو ساحة الصراع المادي. فمنذ انبثاق فجر الإسلام ونشوء الأمة والدولة، لم يقعد الباطل وحزبه من الكفار وأدواته من المنافقين عن الكيد للإسلام والمسلمين، وكلما سقطت حضارة وقوة للباطل خلفتها حضارة وقوة أخرى تحمل عداءها وحقدها الأسود على الإسلام وتسعى للقضاء على الوجود الحضاري والمادي للمسلمين كأمة. غير أن إدراك قوى الباطل عجز عقائدهم بأفكارها المنحرفة وتصورتها الزائفة عن الصمود أمام قوة الفكرة الإسلامية وحقائقها، وعجزهم عن مواجهة المسلمين أمة مجتمعة _إذ من حقائق الحياة وبديهيات التاريخ، أن المسلمين ما دخلوا معركة من المعارك كأمة إلا عقدت لهم ألوية النصر والغلبة مهما بلغ أعداؤهم من التفوق المادي_ لذلك فلم يجدوا سبيلاً للتغلب على عجزهم في حربهم للإسلام والمسلمين غير سبل الكيد والتآمر، بالبحث عن جوانب خلاف بين المسلمين يستغلونها في إيقاع الفتنة والاقتتال بينهم. ومع أن واقع الصراع بين الإسلام والكفر، وأهداف الكفار _في إطفاء نور الإسلام والقضاء على الأمة الإسلامية_ واضحة وبديهية لدى كل مسلم مهما كان نصيبه من الوعي، إلا أن مخططاتهم وأساليب تنفيذها، مما تخفى على كثير من المؤمنين بالإسلام تقليداً للآباء والمشايخ، فيقع كثير من هؤلاء _نتيجة ضعف وعيهم السياسي_ في شراك الكافر، فيسخرهم مباشرة، أو من خلال عملائه من الحكام والمرتبطين بهم من المنافقين والمغفلين من العلماء والمشايخ في تنفيذ مشاريعه ومؤامراته ضد الإسلام والأمة وتحقيق أهدافه وأطماعه. لهذا فسنحاول تسليط الضواء على بعض أساليب أعداء الإسلام قديماً وحديثاً في إيقاع المسلمين في الفتنة والاقتتال، فيما يلي:- ما يحفظه التاريخ عن أحد شيوخ يهود وزعمائها _يوم نشأت الأمة وقامت الدولة الإسلامية في المدينة_ لما رأوا من ألفة المسلمين وصلاح أمرهم قوله: "والله إذا اجتمع ملؤهم بها ما لنا من قرار". فأرسل أحد دهاتهم إلى المسلمين من الأوس والخزرج؛ لإثارة العصبية القبلية ونخوتها الجاهلية بتذكيرهم بما قاله شعراؤهم في جاهليتهم يوم واقعة بعاث. حتى كادوا يقتتلون، لولا استيقاظ إيمانهم بما يفرضه من هوية الإسلام وأخوة العقيدة وما تحتمه من وعي سياسي على مكائد أعداء دينهم وأمتهم. فأدركوا أن عدو الله كادهم لفتنتهم ورجعوا يستغفرون الله. بعد فشل مؤامرة يهود للإيقاع بين المسلمين أوساً وخزرجاً بإثارة العنصرية القومية، لجأوا لاستخدام أدواتهم من المنافقين، وتسخيرهم لتفريق المسلمين بفكرة الوطنية، واذكاء الفتنة والاقتتال في الأمة على أساسها. كما حدث في غزوة (المريسيع)، حين أخذ رأس النفاق ابن سلول يثير المشاعر الوطنية في نفوس المسلمين من الأنصار، بقوله: " لقد كاثرنا هؤلاء الأغراب في بلادنا، وإن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعزُّ الأذل". فكادوا ينقسمون أنصاراً ومهاجرين ويقتتلون على أساس التراب، لولا أن تداركهم النبي الكريم، قائلاً: دعوها فإنها منتنة". فاستعادوا وعيهم، وتنبهوا لكيد عدو الله وعدوهم. فأفشلوا بوعيهم وقوة إيمانهم وإدراكهم لهويتهم مؤامرة الشيطان وحزبه. ثم خطط الشيطان ورأس النفاق لتفريق المسلمين وضرب وحدتهم على أساس طبقي، باتخاذ أعمال _ظاهرها خدمة الإسلام وطاعة لله_ ستاراً ووسيلة لتنفيذ مؤامراتهم. ومن ذلك بناء مسجدٍ ليصلي فيه خاصة المسلمين وعلية القوم. فكشف الله مؤامرتهم _للنبي الكريم وللأمة_ بآيات تتلى إلى يوم القيامة، قضى الله فيها بحرمة التمييز بين المسلمين على أي أساس كان غير أساس التقوى، وفرض محاربة وإزالة كل ما من شأنه إيجاد الفرقة والتمييز بين المسلمين من الأعمال والأفكار في الحال والمستقبل، ولو اتخذت لبوس الإسلام. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (110/التوبة). وهكذا كان وضوح العقيدة وصدق إيمان المسلمين واستنارة الوعي السياسي لديهم _بجعل الإسلام هوية، وعقيدته أساساً للأخوة، واتخاذها زاوية نظر للعالم كله بعقائده وثقافاته ودوله وأشيائه وأحداثه_ هو العامل المؤثر في كشف مكائد وأساليب الشيطان وحزبه من قوى الكفر والنفاق، وإفشالها. وبذلك الوعي الفكري والسياسي الرفيعين ظل المسلمون أمة ناهضة ودولة أولى في العالم طوال القرون اللاحقة. أما أهم الأساليب التي تصنع بها أميركا الفتنة والاقتتال بين المسلمين في أيامنا هذه لإضعافهم وتسخيرهم لتحقيق أهدافها فتتمثل بالآتي: أولاً: تصنيف المسلمين على أساس مذهبي وإثني أو مناطقي، لصناعة الهويات الطائفية البغيضة، (شيعة/ وهابيون، سنة، أو شماليين/جنوبيين. أو عرب/أمازيغ...). ثانياً: زرع وتركيز الفتنة المذهبية أو العرقية أو المناطقية من خلال العمليات الانتحارية في الأسواق والجوامع والمدارس والمناطق السكنية من خلال فرق الموت بتسخير بعض السذج أو من خلال الشركات الأمنية (كبلاك ووتر) المرتبطة بالمخابرات الأميركية . ثالثاً: تمويل وسائل إعلام خاصة للقيام بدور التحريض والحشد على أساس مذهبي، وعرقي ومناطقي وطائفي، واستغلال المنافقين أو المغفلين من علماء السوء والوعاظ، في إيقاد الفتن وإشعالها بتضخيم الخلافات المذهبية أو إبراز فتوى تكفير _من رواسب فترات الانحطاط، أو مظالم وأحقاد تاريخية صنعها ودسها المستشرقون في بطون ما حققوه وكتبوه عن التاريخ الإسلامي_ لإيجاد الانفصال الفكري والشعوري بين أبناء الإسلام وأخوة الدين والعقيدة. رابعاً: صناعة قادة ومتحدثين لكل طرف ودفعهم لبناء مليشيات مسلحة للدفاع عن طوائفهم والثأر لها، وإغراء كل فريق بالحكم والسيادة للدفع بأتباعهم من الملوثين بالطائفة لمحرقتها، وأداة لتحقيق مخططاته وأهدافه بوعي أو دون وعي. خامساً: تسخير أدواتها من الأحزاب ومنظمات مجتمع مدني لترويج فكرة التعددية السياسية، وحقوق الأقليات وحرياتها السياسية... والدولة المدنية كحل وسط بين القوى والطوائف المتصارعة... وكذا فكرة المشاركة في الحكم على أساس المحاصصة الطائفية والمناطقية والحزبية، وترويج فكرة الفدرلة؛ لخدمة أجندتها في إعادة رسم خارطة المنطقة وشعوبها. هذه هي أبرز الأساليب التي يسير فيها أعداء الإسلام والمسلمين؛ لضرب هوية الإسلام ورابطة العقيدة الجامعة للمسلمين، وإيقاعهم في الفتنة والاقتتال؛ لتمزيق خارطة سايكس بيكو القائمة وتحويلها إلى كانتونات مذهبية وطائفية؛ لتقتلع بذلك فكرة وحدة الأمة من أذهان المسلمين، وتقضي على الإسلام كفكرة نهضة، من خلال أدواتها (الإسلاميين المعتدلين) الذين يعملون لتركيز العلمانية ونظمها وقيمها الثقافية الفاسدة في بلاد الإسلام بإلباسها ثوب الإسلام نفسه. فهل يرتفع وعي المسلمين لمستوى الأحداث والتحديات التي تستهدف إسلامهم ووجود أمتهم، ومصيرهم وأجيالهم في الدارين؟ أم يواصلون السقوط بالأمة لتصل مرحلة الفناء الحضاري والمادي، فتجري عليهم حينها سنة الله في الاستئصال من الأرض، ويأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين؟ نقلا عن مجلة صوت الامة العدد(14)، بتأريخ رجب 1435هـ


إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

اخترنا لكم