الأبعاد الجيوسياسية لاتفاق الحوثي مع هادي في
اليمن
الكرامة نيوز المحويت - أراء
حصلت الكرامة نيوز على دراسة بعنوان الابعاد الجيوسياسية لاتفاق الحوثي مع هادي في اليمن ، باسم منظمة شباب الوحدة اليكم نص الدراسة كاملة
الكرامة نيوز المحويت - أراء
حصلت الكرامة نيوز على دراسة بعنوان الابعاد الجيوسياسية لاتفاق الحوثي مع هادي في اليمن ، باسم منظمة شباب الوحدة اليكم نص الدراسة كاملة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الاتفاق الأخير الذي حصل في اليمن يوم 21/9/2014 بين جماعة الحوثي
وبين الرئيس عبد ربه منصور هادي برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن
عمر ليس سوى حلقة في سلسلة المؤامرات الأميركية المستمرة على الأمة الإسلامية من
أجل تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كان أبرز ما ظهر منه الفصل المذهبي
والعرقي في المنطقة الإسلامية وبناء عليه يجري تفتيت الدول القائمة بدعوى الفدرلة.
إن تسلسل الأحداث والكيفية والسرعة التي استطاع بها الحوثيون السيطرة على صنعاء وقبل ذلك سيطرتهم على عمران، البوابة الشمالية لصنعاء، يؤكد حجم المؤامرة التي استطاعت أميركا فرضها على القادة العسكريين والسياسيين داخل اليمن وفي الإقليم. وقد حصل هذا بتآمر من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر وبإسناد من جماعة علي عبد الله صالح الذي يعد أكبر حليف لعبد الملك الحوثي منذ خلعه من الحكم في العام 2011 بموجب المبادرة الخليجية.
اتفاق السلم والشراكة الوطنية
وصف الرئيس عبد ربه منصور هادي هجوم الحوثيين على صنعاء بأنه "محاولة انقلاب"، كما أعلن بعد التوقيع على "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" بيومين أن ما حدث في العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية "مؤامرة أعدت وتجاوزت حدود اليمن". ومع كل هذا وذاك فإنه وقع على هذا الاتفاق الذي نص على الوقف الفوري لإطلاق النار، وتعيين رئيس وزراء جديد خلال ثلاثة أيام، وتشكيل حكومة جديدة خلال شهر، على أن تعد هذه الحكومة برنامج عمل لتنفيذ برنامج الحوار الوطني خلال ثلاثين يوماً.
كما نص الاتفاق على تعيين مستشارين سياسيين لرئيس البلاد خلال ثلاثة أيام من توقيعه، ومن بينهم شخصيات من الحوثيين والحراك الجنوبي، يتولون اختيار المرشحين لشغل الحقائب الوزارية، ويرفعون توصيات إلى رئيس الدولة والحكومة على ضمان توزيع الحقائب على جميع القوى السياسية في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك نص الاتفاق على حلِّ القضايا المتعلقة بصعدة وعمران، وإزالة المخيمات والمظاهر المسلحة، والتأكيد على ضرورة بسط سلطة الدولة ووقف إطلاق النار في الجوف ومأرب، وتشكيل لجنة مشتركة للمراقبة والتحقق من تنفيذ بنوده.
ورغم أن جمال بن عمر اعتبر أن الاتفاق يستند إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي انبثق من المبادرة الخليجية إلا أن الحقيقة أن هذا الاتفاق قد نسف هذه المبادرة. وهذا ما أكده محمد عبد السلام، المتحدث باسم جماعة الحوثي، الذي اعتبر أن المبادرة الخليجية قد انتهت إلى غير رجعة، مشيراً إلى أن اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقع في دار الرئاسة يوثق عقداً سياسياً بشراكة سياسية جديدة.
فما الذي حدث حتى تصل قوات الحوثي إلى صنعاء؟! وتلزم خصومها السياسيين بالتوقيع على هكذا اتفاق تحت ضغط السلاح وبرعاية الأمم المتحدة وموافقة واضحة من أميركا ودعم جلي أو صمت من دول المنطقة وعلى رأسها إيران والسعودية ؟!.
ظروف الاتفاق والمؤامرة
رغم ادعاء عبد ربه منصور هادي بأنه وقع ضحية مؤامرة دبرتها "قوى خارجية وداخلية لإحباط تجربة اليمن في الانتقال السلمي" إلا أن الوقائع على الأرض ليس فقط في صنعاء بل منذ أحداث دماج وعمران تؤكد أنه جزء من هذه المؤامرة الأميركية التي يعتبر الحوثي وجماعته أداتها الرئيسية.
فبعد ساعات من دخولهم صنعاء سيطر الحوثيون على مقار رئاسة الوزراء والبرلمان وقيادة الجيش والبنك المركزي والإذاعة. وقد أكد شهود عيان ومصادر سياسية أن عدداً كبيراً من المقار العسكرية والسياسية التي سيطر عليها الحوثيون لم تشهد أية مقاومة من جانب الجيش، بل إن وزير الداخلية طلب من الأجهزة الأمنية صراحة التعاون مع الحوثيين.
وبزعم إنهاء الأزمة السياسية وحقن الدماء وقعت الرئاسة اليمنية وممثلو القوى السياسية، تحت تهديد السلاح بحضور المبعوث الأممي جمال بن عمر، اتفاق "السلم والشراكة الوطنية".
لقد كان واضحا أن جماعة الحوثي ما كان لهم أن يسيطروا على العاصمة صنعاء بهذه السرعة، لولا وجود تواطؤ داخلي وتنسيق إقليمي ودولي. وهذا ما يفسر استمرار وجود السفراء الأجانب في اليمن ودون الإدلاء بأية تصريحات تذكر، بل هذا ما يفسر أيضاً صمت دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحركات "أنصار الله" العسكرية داخل صنعاء.
أسباب سقوط صنعاء
والحقيقة أنه ما كان لصنعاء أن تسقط في أيديهم لولا التواطؤ بينهم وبين رجال علي عبد الله صالح والرئيس الحالي بتنسيق إقليمي ودولي كما أسلفنا، ويشير إلى ذلك التواطؤ ما سبق وأن حصل من سقوط محافظة عمران في شهر تموز/يوليو الفائت بعد نقض الحوثيين للاتفاق الذي عقدوه مع اللجنة الرئاسية.
فالحوثيون نقضوا الاتفاق وهاجموا غدراً اللواء 310 مدرع وقتلوا غيلة قائده العميد حميد القشيبي مع عدد من الضباط، ثم قاموا بناءً على التواطؤ المشار إليه بنهب كامل لعتاد اللواء من دبابات وصواريخ ومنصات إطلاق صواريخ. وبمجرد سقوط اللواء 310 مدرع، وهو أقوى معسكر يحمي شمال العاصمة، سهل على الحوثيين أن يقوموا بتصفية عدد من الألوية المتوسطة المرابطة في محافظة صعدة، وانفتح الطريق أمامهم نحو العاصمة.
أما الذي حصل في صنعاء بعد ذلك فمن الواضح أن الرئيس عبد ربه منصور هادي قد عقد صفقة بأمر من أميركا مع جماعة الحوثي تم بموجبها تسليم العاصمة دون قتال. ولا يزال الرأي العام في اليمن وخارجه في حالة من الذهول من هول ما حصل من تسليم العاصمة بكل هذه السهولة .
ويلاحظ أن الحوثيين قد عملوا على استغلال نقمة الناس على حكومة الفقر والفساد، مستغلين أزمات الكهرباء والمحروقات التي كان يقف وراءها رجال الرئيس السابق علي عبد الله صالح داخل المؤسسات السياسية والاقتصادية. كما يلاحظ إظهارهم الزهد في السلطة برفضهم الاشتراك في الحكومة الجديدة.
لقد بدأت الحركة الحوثية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي في العمل العسكري النشط بتكليف من عملاء أميركا وبخاصة إيران، واشتد التحرك العسكري للحوثيين مع اقتراب استكمال عملية الانتقال السياسي بإعلان الدستور، وبخاصة ما يتعلق بتقسيم اليمن إدارياً إلى ستة أقاليم ومن ثم الاستفتاء عليه، ثم الذهاب نحو انتخابات عامة، بتوافق كل الأطراف المشاركة في المشهد السياسي.
لكن ما حدث مؤخراً قد وضع خارطة طريق جديدة مختلفة عن الخارطة التي وضعتها المبادرة الخليجية والتي انطلق منها ما سمي "الحوار الوطني الشامل". ورغم ادعاء مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر أن "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" يستند إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني إلا أن الحقيقة أن هذا الاتفاق قد نسف نتائج مؤتمر الحوار الوطني بل نسف المبادرة الخليجية نفسها، ووضع اليمن على خارطة طريق أميركية جديدة يعتبر الحوثيون هم رأس حربة في تنفيذها بالتعاون مع رجال علي عبد الله صالح ورجال علي سالم البيض أحد زعماء الحراك الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب، والذي لم يشارك في مؤتمر الحوار الوطني.
إن ما تفعله جماعة الحوثي يحقق للأميركان بعض أجزاء مخططهم في الشرق الأوسط الكبير، ومع التزام الحوثيين بالسير خلف إيران وغيرها من عملاء أميركا فسيحقق الحوثيون لأميركا بعض الأهداف التي طالما سعت لتحقيقها في اليمن. أما بالنسبة للأهداف الأميركية فتتمثل فيما يلي:
أهداف أميركا من وراء سيطرة الحوثيين
1- يبدو أن أميركا تسعى إلى استنساخ واقع كل من لبنان والعراق في تمكين من يطلق عليهم (الشيعة) من أبناء المسلمين من قيادة البلاد، أو على الأقل من التحكم في قرار التسيير لشؤون البلاد. وذلك من أجل تقوية وتمتين ما يطلق عليه (الهلال الشيعي) وحقنه بالثقة وجعله يتصور أن قدراته ترفعه لمستوى إبقائه نداً لقوى (السنة)، وبذلك تبقي أميركا على جذوة العداء والصراع المذهبي بين مكونات الأمة.
وفي حالة اليمن، فبعد كل نزاع دخلت فيه الحركة الحوثية باتت تخرج منتصرة وباتفاق ترعاه مؤسسة الرئاسة بالرغم من تنصلها اللاحق من بعض بنود الاتفاق. وهذا يدل على أن هناك تواطؤاً في دوائر صنع القرار الرسمية بصنعاء، كما يدل على أن أميركا هي من يرعى ذلك التواطؤ ويقف وراءه وبدعم أو خضوع من الدول الإقليمية وعلى رأسها إيران والإمارات والسعودية.
ورغم مطالبة أميركا ومجلس الأمن من ورائها ظاهرياً من جماعة الحوثي بإرجاع ما سلبوه من سلاح وعتاد من مؤسسات الدولة، فإن ذلك مجرد ذر للرماد في العيون. فهذه المطالبة قد جاءت بعد أن نقل الحوثيون السلاح كله إلى مناطقهم. ثم إن أميركا تعمل على إضعاف الدولة في اليمن وتحويلها إلى وضع الدولة الفاشلة التي يسهل التحكم فيها بعد أن فقدت كل مقومات السيادة على قرارها وفي قيامها برعاية شؤون الناس.
ولذلك فإنه من المستبعد أن تقوم الحركة الحوثية بنزع سلاحها وأي حديث من هذا النوع حتى من قبل الحوثيين أنفسهم فهو لمجرد الاستهلاك الإعلامي. والسبب في ذلك أن حركة الحوثي في اليمن تمثل قاعدة أساسية في مشروع الشرق الأوسط الكبير كما ورد ذلك في الخارطة التي أعلنتها "نيويورك تايمز" الأميركية في أيلول/سبتمبر 2013، سواء وبخاصة من حيث تفتيت البلد.
وفي ظل انقسام المؤتمر الشعبي العام ما بين أمانة الحزب عند عبد ربه هادي منصور وبين رئاسة الحزب في يد علي عبد الله صالح، وفي ظل الضعف الذي لحق بحزب الإصلاح، فمن المتوقع بعد اتفاق السلم والشراكة الوطنية أن تصبح الحركة الحوثية (مثل حزب الله في لبنان) صاحبة التأثير الأول على القرارات المتعلقة بالأمن القومي والسياسي والشريك المرجِح في اختيار رؤساء وزارات السيادة والإشراف على القضاء والميزانية العامة والجهاز المالي للرقابة والمحاسبة.
ويبدو أن تأثير الحوثي على القرار السياسي قد بدأت تدركه بعض القوى السياسية وبخاصة في الجنوب. فهذا القيادي في الحراك الجنوبي اليمني لطفي شطارة يصرح قائلاً: "أعتقد أن الوقت قد حان على الجنوبيين أن يعيدوا إحياء قنوات التواصل مع أنصار الله، وهي قنوات كانت قائمة بينهم أيام الحوار الوطني، وكان أنصار الله يتفهمون مطالب الجنوبيين وشكاواهم، وطالما أن أنصار الله أصبحوا قوة سياسية رئيسية اليوم في اليمن، فليس أمام الجنوبيين إلا أن يمدوا يدهم إليهم من أجل إنصافهم أيضاً".
وقد ظهر التأثير الطاغي للحوثيين على الدولة وقرارها السياسي بتوقيع الرئيس هادي على اتفاق السلم والشراكة الوطنية وبشروطهم، ومؤخراً برفضهم ترشيح الرئيس هادي السيد أحمد بن مبارك مدير مكتبه ليتولى رئاسة الحكومة، بذريعة أن السفير الأميركي في صنعاء هو وراء ترشيح المبارك، وقد رضخ مبارك لرغبة الحوثي وأعلن تخليه عن السير في تولي رئاسة الحكومة.
2- إضعاف مركز حزب الإصلاح باعتباره من أكبر القوى السياسية في البلاد لتظهر قوة الحوثيين نداً للأحزاب السياسية الكبرى في البلاد، وحتى يتم التأثير على قوة حزب الإصلاح فإنه لا بد من العمل على إضعاف مصدر قوته المتمثل بخاصة في الحاضنة الشعبية التي يتمتع بها داخل قبيلة حاشد وكذلك الدعم العسكري الذي يلقاه الحزب داخل قبيلته وبخاصة في عائلة الأحمر وداخل المؤسسة العسكرية ممثلة في قائد الفرقة السادسة علي محسن الأحمر.
لقد نجحت الحركة الحوثية في تهجير ما سمي بسلفيي دماج من صعدة إثر حصار طويل أكل فيه الناس أوراق الشجر، وتم ذلك بعد توقيع صلح رئاسي بحجة أن دار الحديث التابعة لهم تعتبر معقلا لـ"مجاميع إرهابية". ثم بعد ذلك زحف الحوثيون إلى محافظة عمران حيث خاضوا حرباً ضد آل الأحمر انتهت بصلح رئاسي في تموز/يوليو 2014م مما أسفر عن خروج آل الأحمر من معقلهم وموطنهم.
ويظهر أن هناك مصلحة كذلك لحزب المؤتمر ممثلاً بأمينه العام الرئيس هادي في إضعاف حزب الإصلاح الذي يمثل منافساً وخصماً سياسياً تقليدياً، وقد ذكر مصدر رسمي طلب عدم ذكر اسمه في اتصال هاتفي مع "القدس العربي" أن "الرئيس هادي عقد صفقة مع مقاتلي جماعة الحوثي تم بموجبها تسليم صنعاء لمقاتلي الجماعة دون قتال". وأضاف المصدر قائلاً: "سلم هادي العاصمة للحوثيين كما سلم لهم مدينة عمران من قبل"، مؤكداً "أن هادي يهدف من خلال ذلك إلى ضرب حلفائه السياسيين في التجمع اليمني للإصلاح الذين يخشى خطرهم عليه في المستقبل". وقال: "أراد هادي التضحية باللواء علي محسن الأحمر الذي يشغل مستشاراً عسكرياً وأمنياً لرئيس الجمهورية، كما ضحى بقائد قوات اللواء 310 حميد القشيبي".
3- الدفع نحو انفصال الجنوب وحضرموت:
بعد أن تمكن الحوثيون من النجاح في تهجير السلفيين من دماج وإسقاط محافظة عمران والسيطرة على العاصمة بدأت تتعالى أصوات من الجنوبيين بضرورة أن يتم النظر جدياً في مسألة انفصال جنوب اليمن والعودة بالجغرافيا إلى ما قبل 22/5/1990، أي إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية بين شطري الشمال والجنوب، وذلك عبر تسهيل عملية انفصال الجنوب وإعلان دولته المستقلة في مقابل ترك الشمال تحت تصرف جماعة الحوثي.
لقد أعطت سيطرة الحركة الحوثية على صنعاء وشمال البلاد الذرائع والمبررات لأهل الجنوب وحضرموت بالدفع نحو الإنفصال بدعوى أنهم انقلبوا على الوحدة أو بحجة عدم الإنسجام المذهبي.
فقد اتهم القيادي الجنوبي البارز المهندس أحمد بن أحمد الميسري عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام –ومحافظ أبين السابق– القيادات السياسية في الشمال بالانقلاب على النظام الجمهوري والوحدة اليمنية وإسقاط مخرجات الحوار الوطني بعد أن أصبحت صنعاء تحت سيطرة الحوثيين وبتواطؤ معظم القوى الفاعلة في محيط صنعاء. وذكر أن صنعاء "ليست اليوم العاصمة للوحدة ولم يعد للجنوبيين فيها أي تأثير على مجريات الأحداث".
ودعا أحمد الميسري كافة أبناء الجنوب بمختلف مشاربهم وعلى رأسهم الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى العودة إلى الجنوب وإعلان الدولة الجنوبية وعاصمتها عدن وتحت توافق قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وبرر الميسري موقفه بقوله: "كنت أنظر إلى الوحدة من منظور المظلة للجميع، الحاضنة لجميع اليمنيين الجنوبيين والشماليين. ومن هذا المعتقد وقفت ضد رغبة إخواني الجنوبيين المطالبين بالانفصال حين كنت أرى فيها الأمل لمداواة جراحاتنا وبناء مستقبل أبنائنا وعلى اعتبار أنها القاسم المشترك التي تحتها يمكن أن تتلاشى تناقضات وتباينات الماضي أو أي رغبات. لكن سيطرة الحوثي على صنعاء أجهض هذا الأمل وأصبح لا بديل للوضع إلا العودة إلى ما قبل الوحدة" .
وبعد يومين من التطورات التي شهدتها العاصمة وسقوطها في يد الحوثيين، أعلن فصيل الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عزمه السيطرة على منطقة يافع في الجنوب، والتي تضم ثماني مديريات، أربع منها تتبع محافظة أبين وأربع أخر تتبع محافظة لحج. وقد أعلن هذا الفصيل أن منطقة يافع لا تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية بصنعاء وأنه شكل مجلساً عسكرياً لإدارتها. وبحسب بيان المجتمعين فإن: "الاجتماع عُقد لتدارس الأوضاع بعد التطورات التي شهدتها العاصمة اليمنية صنعاء وأسفرت عن سيطرة شبه كلية لجماعة الحوثي على مرافق الدولة السيادية والعسكرية".
هذا ويجري الحديث في بعض الأروقة الدولية بشأن مقترحات لحل الصراع و"عدم الاستقرار" في اليمن عبر قيام اتحاد كونفدرالي بين اليمنيين الجنوبي والشمالي وحضرموت، بحيث تجمع بين هذه المناطق صيغة اتحادية كونفدرالية في التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري، ومن ثم تكون صنعاء وعدن والمكلا عواصم دورية للدولة الجديدة. وبعد ثلاث أو خمس سنوات من الوحدة الكونفدرالية يجري استفتاء حول تقرير المصير بالاستقلال أو الكونفدرالية.
أهداف الحركة الحوثية من السيطرة على شمال اليمن:
إن استعمال أميركا للحوثيين من أجل الدفع بمشروعها في اليمن سوف يعود بالنفع عليهم في تحقيق مطالبهم وأهدافهم والتي تتمثل بخاصة في أمرين، وهما، أولاً: الحصول على منفذ على البحر الأحمر في محافظة حجة. ثانياً: ضم محافظة الجوف الغنية بالنفط إلى إقليم أزال. فبمجرد أن أعلنت لجنة تحديد الأقاليم رسمياً في شباط/فبراير 2014 عن تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم في ظل دولة اتحادية، بواقع إقليمين في الجنوب وأربعة أقاليم في الشمال فقد سارع الحوثيون إلى رفض ذلك التقسيم الذي رفضته أيضاً بعض فصائل الحراك الجنوبي المطالبة بفصل الجنوب عن الشمال.
وفي ظل الدولة الاتحادية التي يجري تشكيلها، تم اختيار مأرب لتكون عاصمة إقليم سبأ، الذي تنضوي تحته كذلك كل من محافظات البيضاء والجوف. ويعتبر إقليم سبأ هو الإقليم الوحيد الذي ينتج النفط من بين أقاليم الشمال اليمني الأربعة منذ بدء أول عملية تصدير للنفط من مأرب عبر شركة "هنت" الأميركية في العام 1986، بينما تعتمد بقية الأقاليم على ثروات أخرى.
وبسبب أن مواقع الحوثيين جاءت في إقليم أزال الخالي من الثروة أو أي منفذ بحري إلى جانب محافظات عمران وصنعاء وذمار، فإن ضم محافظة الجوف إلى إقليم سبأ قد تم رفضه من قبل جماعة الحوثي التي ترغب في أن يجمعها إقليم واحد مع محافظة الجوف الغنية بالثروات. ولذلك يضغط الحوثيون من أجل توسيع إقليم أزال ليضاف إليه محافظة حجة حتى تحظى بمنفذ بحري ويمتد شرقاً للجوف الغنية بالنفط.
ولتعزيز موقفهم في فرض رؤيتهم السياسية بقوة السلاح ولتأمين إلحاق محافظتي الجوف وحجة مستقبلاً، قام الحوثيون بمجرد السيطرة على صنعاء بنقل كميات كبيرة من الأسلحة والمدرعات إلى عمران وصعدة بعد أن استولوا عليها من مقر الفرقة الرابعة. كما قام الحوثيون بالسيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وكذلك مقر المنطقة السادسة أي مقر الفرقة الأولى مدرع سابقاً، الذي كان يرأسه اللواء علي محسن الأحمر وقاموا بسلب أسلحتها بالكامل.
تحالف الحوثي مع صالح والبيض:
في الواقع ما كان للحوثيين أن ينجحوا في تحقيق هذه المكاسب السياسية والعسكرية في صعدة وعمران وأخيراً صنعاء لولا التحالف الذي يوجد بينهم وبين علي عبد الله صالح. وهذا ما أكده عبد ربه منصور هادي نفسه يوم 19/9/2014 من أن قيادات عسكرية ما تزال تتلقى توجيهات من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. مما يفسر الدخول السهل لجماعة الحوثي إلى صنعاء.
فالحرس الرئاسي الذي ما زال لعلي صالح فيه نفوذ كبير هو الذي سلم مقر المنطقة السادسة التي كان يشرف عليها اللواء علي محسن الأحمر. وفي الوقت الذي لقي فيه الحوثيون موقفاً صلباً في معاركهم مع الدولة بين 2004-2010 أيام علي عبد الله صالح، نجد أن الجيش اليمني قد تعامل بشكل متراخي بل بتواطؤ مفضوح في معاركه مع الحوثيين في صعدة وعمران وصنعاء.
إن ما يجمع بين علي عبد الله صالح وعبد الملك الحوثي هو العداء لآل الأحمر وجناحهم السياسي الممثل في حزب الإصلاح وسندهم العسكري الممثل في العميد علي محسن الأحمر. ويعود التحالف بين صالح والحوثيين إلى بداية التسعينات بعد انتشار حزب الإصلاح في شمال اليمن وبخاصة في صعدة. ولوقف تمدد الحزب عقد علي صالح اتفاقاً مع الحوثيين بإزاحة حزب الإصلاح من هذه الأماكن.
إلا أن زعماء الحوثيين مع أواخر التسعينات بدؤوا في تبني أفكار التشيع الجعفري بدل الفكر الزيدي وبدأ يظهر ارتباطهم وتواصلهم المباشر مع إيران من خلال بعثاتهم إلى بيروت وطهران. بل إن زعيم الحوثيين حينذاك حسين الحوثي بدأ يعلن التمرد على الدولة اليمنية من خلال جمعه للزكوات في صعدة وتخومها. وهذه الأمور كلها لم تعجب علي عبد الله صالح الذي أعلن الحرب على الحوثيين في حزيران/يونيو 2004 بعد اعتقال حسين الحوثي بتهمة إنشاء تنظيم مسلح داخل البلاد والسعي لإعادة الإمامة الزيدية وإسقاط الجمهورية اليمنية.
ورغم الخلاف بين صالح والحوثيين إلا أن هؤلاء لم يشاركوا في ما سمي بثورة شباط/فبراير2011م إلا بعد أن أدركوا الأمارات الدالة على سقوط علي عبد الله صالح وتلقي زعماء المتظاهرين من حزب الإصلاح إشارة بمغادرة الميادين بفعل المبادرة الخليجية التي حمت علي عبد الله صالح في ماله وشخصه وعائلته من أي ملاحقة قانونية مقابل تولي نائبه عبد ربه منصور هادي رئاسة الدولة في المرحلة الانتقالية.
وفيما تحالف عبد ربه منصور هادي ظاهرياً مع حزب الإصلاح واللواء علي محسن الأحمر، عاد علي عبد الله صالح إلى حلفه القديم مع الحوثيين وانضم إليهم في هذا التحالف جناح الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال بقيادة علي سالم البيض. وقد نجح الثالوث صالح والحوثي والبيض في افتعال الأزمات عبر مهاجمة المدن وتعطيل نشاطات الخدمات الحكومية في العاصمة وبقية المدن بالمظاهرات والمواجهات وتخريب الوضع الداخلي.
فهذا الثالوث يقف وراء الكثير من أزمات البلاد مثل انقطاع الكهرباء وأزمة المحروقات بسبب الهجمات التي كان يقف وراءها رجالهم ضد أبراج الكهرباء وأنابيب النفط ودفع المخربين لقطع الطرقات واحتجاز ناقلات الوقود. ورغم اختلاف أهداف كل من صالح والحوثي والبيض إلا أنهم يشتركون في العمل للتخلص من حزب الإصلاح وعائلة الأحمر وبخاصة اللواء علي محسن الأحمر.
أما من حيث أهداف كل واحد منهم فهي متنوعة؛ فبالنسبة لعلي عبدالله صالح فإن تخلصه من اللواء علي محسن الأحمر كان بسبب وقوف هذا الأخير ضد ترشح أحمد نجل صالح لرئاسة الدولة بعد أبيه وكذلك بسبب وقوفه مع "ثوار فبراير 2011". ولذلك يطمح صالح في العودة من جديد للحكم من خلال فوز ابنه أحمد بالانتخابات الرئاسية القادمة، وهو الذي يعمل حالياً سفيراً في الإمارات.
أما علي سالم البيض فإنه يسعى ضمن الحراك الجنوبي إلى فصل جنوب اليمن بعد أن قبل بها لأسباب ظرفية في 22/5/1990، ثم انقلب عليها في نيسان/أبريل 1994 مما اضطر علي عبد الله صالح أن يدخل معه في حرب انتهت بدخول قوات صالح إلى عدن والمكلا في 7/7/1994. واضطر علي سالم البيض وأنصاره للهروب إلى عمان، وهو الآن مستقر في بيروت ويحظى بدعم إيران وحماية حزب الله.
أما الحوثي فهو يرغب في التوسع الجغرافي بالحصول على منفذ بحري في محافظة حجة التي ألحقت بإقليم تهامة وفي السيطرة على المناطق النفطية بمحافظة الجوف التي ألحقت بإقليم سبأ. والحوثيون يسعون في هدفهم الأعلى إلى إعادة الإمامة التي أسقطتها أميركا في انقلاب المشير عبد الله السلال عام 1962 أو على الأقل إقامة حكم ذاتي في شمال اليمن مع التأثير في أي قرار سياسي أو أمني يصدر من صنعاء؛ ومن المحتمل جداً أن تستخدمهم أميركا في تأجيج الأوضاع في السعودية عندما يبسطون سيطرتهم على كل محافظات الشمال.
الخاتمة
رغم ثبوت تواطؤ العديد من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في تمكين الحوثيين من صنعاء، ورغم الصراخ العالي لعبد ربه منصور هادي حول أن ما حدث هو مؤامرة وانقلاب، إلا أن هذا الأخير لم يجرؤ على تقديم أية شخصية سياسية أو عسكرية للمساءلة أو المحاكمة القانونية. وهذا يؤكد أن أميركا هي التي كانت تسوق الجميع طوعاً أو كرهاً نحو تنفيذ مخططاتها في اليمن.
أما قيام أميركا من حين لآخر بشكل مباشر أو من خلال القرارات الأممية بالتنديد بالحوثيين فهو مجرد كذب؛ لأنها في الواقع هي التي تدعم تحركاتهم سراً من خلال إيران والسعودية والإمارات. ورغم أن القرار الأممي رقم 2140 تضمن تهديداً باستخدام القوة تحت طائلة البند السابع لمن يعرقل العملية السياسية إلا أن أميركا لم تحرك ساكناً أمام تقدم الحوثيين نحو العاصمة، وحتى بيان مجلس الأمن ليوم 12/7/2014 والذي دعا الحوثيين والجماعات الأخرى إلى الانسحاب من عمران وتسليم المعدات العسكرية المنهوبة إلى جيش الدولة كان مجرد حبر على ورق.
أما دعوة مجلس الأمن الأخيرة إلى تطبيق الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة الوطنية فقد جاء بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة وقاموا بنهب معدات وعتاد الدولة العسكري ونقلوه إلى خارج العاصمة في مواقعهم بشمال اليمن.
ورغم أن الحوثيين يتلقون دعمهم الرئيسي من إيران، إلا أن السعودية قدمت لهم الكثير من الدعم سواء بالتخلي عن سلفيي دماج في صعدة أو عن آل الأحمر في عمران. وهذا يؤكد مرة أخرى أنه رغم الاختلاف أو الخلاف الظاهري بين السعودية وإيران إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتحقيق المصالح الأميركية فإن الخلافات بينهما تزول؛ وهذا ما أكده اللقاء بين وزيري خارجية البلدان في نيويورك مؤخراً.
إن أميركا ومن ورائها الغرب الكافر الذين لا تزال تسيطر عليهم مشاعر العداء بل والحقد على الإسلام والمسلمين يخططون لإبقاء أمتنا تحت سيطرتهم، وذلك لخشيتهم من قدرات الأمة الإسلامية التي تصدرت لقيادة العالم قرونا طويلة. وهم يدركون كذلك أن عودة الإسلام إلى الحياة يعني دولة قوية للمسلمين مما يشعرهم بتهديد مصالحهم، ولذلك فهم في انشغال دائم في تتبع أحوال الأمة الإسلامية، ووضع الخطط لعرقلة نهضتها على أساس الإسلام، ومن أبرز أهدافهم تحقيق الفصل المذهبي والعرقي بين أبناء الأمة الإسلامية وزيادة تفتيتها، وإذكاء نار الفتن بين أبنائها بجعل الأمة تصطدم ببعضها، فتفقد خيرة شبابها وتستنزف مقدراتها. بل إنهم يعملون جاهدين على تشويه مفهوم الخلافة في أذهان المسلمين حتى تفقد الأمة أملها في التغيير والانعتاق من قبضة الغرب الكافر، وتتخذ العلمانية دينا لهذه الأمة التي شرفها الله بالإسلام.
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}
منظمة شباب الوحدة
15/ذي الحجة/1435هـ
9/10/2014م.
إن تسلسل الأحداث والكيفية والسرعة التي استطاع بها الحوثيون السيطرة على صنعاء وقبل ذلك سيطرتهم على عمران، البوابة الشمالية لصنعاء، يؤكد حجم المؤامرة التي استطاعت أميركا فرضها على القادة العسكريين والسياسيين داخل اليمن وفي الإقليم. وقد حصل هذا بتآمر من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر وبإسناد من جماعة علي عبد الله صالح الذي يعد أكبر حليف لعبد الملك الحوثي منذ خلعه من الحكم في العام 2011 بموجب المبادرة الخليجية.
اتفاق السلم والشراكة الوطنية
وصف الرئيس عبد ربه منصور هادي هجوم الحوثيين على صنعاء بأنه "محاولة انقلاب"، كما أعلن بعد التوقيع على "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" بيومين أن ما حدث في العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية "مؤامرة أعدت وتجاوزت حدود اليمن". ومع كل هذا وذاك فإنه وقع على هذا الاتفاق الذي نص على الوقف الفوري لإطلاق النار، وتعيين رئيس وزراء جديد خلال ثلاثة أيام، وتشكيل حكومة جديدة خلال شهر، على أن تعد هذه الحكومة برنامج عمل لتنفيذ برنامج الحوار الوطني خلال ثلاثين يوماً.
كما نص الاتفاق على تعيين مستشارين سياسيين لرئيس البلاد خلال ثلاثة أيام من توقيعه، ومن بينهم شخصيات من الحوثيين والحراك الجنوبي، يتولون اختيار المرشحين لشغل الحقائب الوزارية، ويرفعون توصيات إلى رئيس الدولة والحكومة على ضمان توزيع الحقائب على جميع القوى السياسية في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك نص الاتفاق على حلِّ القضايا المتعلقة بصعدة وعمران، وإزالة المخيمات والمظاهر المسلحة، والتأكيد على ضرورة بسط سلطة الدولة ووقف إطلاق النار في الجوف ومأرب، وتشكيل لجنة مشتركة للمراقبة والتحقق من تنفيذ بنوده.
ورغم أن جمال بن عمر اعتبر أن الاتفاق يستند إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي انبثق من المبادرة الخليجية إلا أن الحقيقة أن هذا الاتفاق قد نسف هذه المبادرة. وهذا ما أكده محمد عبد السلام، المتحدث باسم جماعة الحوثي، الذي اعتبر أن المبادرة الخليجية قد انتهت إلى غير رجعة، مشيراً إلى أن اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقع في دار الرئاسة يوثق عقداً سياسياً بشراكة سياسية جديدة.
فما الذي حدث حتى تصل قوات الحوثي إلى صنعاء؟! وتلزم خصومها السياسيين بالتوقيع على هكذا اتفاق تحت ضغط السلاح وبرعاية الأمم المتحدة وموافقة واضحة من أميركا ودعم جلي أو صمت من دول المنطقة وعلى رأسها إيران والسعودية ؟!.
ظروف الاتفاق والمؤامرة
رغم ادعاء عبد ربه منصور هادي بأنه وقع ضحية مؤامرة دبرتها "قوى خارجية وداخلية لإحباط تجربة اليمن في الانتقال السلمي" إلا أن الوقائع على الأرض ليس فقط في صنعاء بل منذ أحداث دماج وعمران تؤكد أنه جزء من هذه المؤامرة الأميركية التي يعتبر الحوثي وجماعته أداتها الرئيسية.
فبعد ساعات من دخولهم صنعاء سيطر الحوثيون على مقار رئاسة الوزراء والبرلمان وقيادة الجيش والبنك المركزي والإذاعة. وقد أكد شهود عيان ومصادر سياسية أن عدداً كبيراً من المقار العسكرية والسياسية التي سيطر عليها الحوثيون لم تشهد أية مقاومة من جانب الجيش، بل إن وزير الداخلية طلب من الأجهزة الأمنية صراحة التعاون مع الحوثيين.
وبزعم إنهاء الأزمة السياسية وحقن الدماء وقعت الرئاسة اليمنية وممثلو القوى السياسية، تحت تهديد السلاح بحضور المبعوث الأممي جمال بن عمر، اتفاق "السلم والشراكة الوطنية".
لقد كان واضحا أن جماعة الحوثي ما كان لهم أن يسيطروا على العاصمة صنعاء بهذه السرعة، لولا وجود تواطؤ داخلي وتنسيق إقليمي ودولي. وهذا ما يفسر استمرار وجود السفراء الأجانب في اليمن ودون الإدلاء بأية تصريحات تذكر، بل هذا ما يفسر أيضاً صمت دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحركات "أنصار الله" العسكرية داخل صنعاء.
أسباب سقوط صنعاء
والحقيقة أنه ما كان لصنعاء أن تسقط في أيديهم لولا التواطؤ بينهم وبين رجال علي عبد الله صالح والرئيس الحالي بتنسيق إقليمي ودولي كما أسلفنا، ويشير إلى ذلك التواطؤ ما سبق وأن حصل من سقوط محافظة عمران في شهر تموز/يوليو الفائت بعد نقض الحوثيين للاتفاق الذي عقدوه مع اللجنة الرئاسية.
فالحوثيون نقضوا الاتفاق وهاجموا غدراً اللواء 310 مدرع وقتلوا غيلة قائده العميد حميد القشيبي مع عدد من الضباط، ثم قاموا بناءً على التواطؤ المشار إليه بنهب كامل لعتاد اللواء من دبابات وصواريخ ومنصات إطلاق صواريخ. وبمجرد سقوط اللواء 310 مدرع، وهو أقوى معسكر يحمي شمال العاصمة، سهل على الحوثيين أن يقوموا بتصفية عدد من الألوية المتوسطة المرابطة في محافظة صعدة، وانفتح الطريق أمامهم نحو العاصمة.
أما الذي حصل في صنعاء بعد ذلك فمن الواضح أن الرئيس عبد ربه منصور هادي قد عقد صفقة بأمر من أميركا مع جماعة الحوثي تم بموجبها تسليم العاصمة دون قتال. ولا يزال الرأي العام في اليمن وخارجه في حالة من الذهول من هول ما حصل من تسليم العاصمة بكل هذه السهولة .
ويلاحظ أن الحوثيين قد عملوا على استغلال نقمة الناس على حكومة الفقر والفساد، مستغلين أزمات الكهرباء والمحروقات التي كان يقف وراءها رجال الرئيس السابق علي عبد الله صالح داخل المؤسسات السياسية والاقتصادية. كما يلاحظ إظهارهم الزهد في السلطة برفضهم الاشتراك في الحكومة الجديدة.
لقد بدأت الحركة الحوثية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي في العمل العسكري النشط بتكليف من عملاء أميركا وبخاصة إيران، واشتد التحرك العسكري للحوثيين مع اقتراب استكمال عملية الانتقال السياسي بإعلان الدستور، وبخاصة ما يتعلق بتقسيم اليمن إدارياً إلى ستة أقاليم ومن ثم الاستفتاء عليه، ثم الذهاب نحو انتخابات عامة، بتوافق كل الأطراف المشاركة في المشهد السياسي.
لكن ما حدث مؤخراً قد وضع خارطة طريق جديدة مختلفة عن الخارطة التي وضعتها المبادرة الخليجية والتي انطلق منها ما سمي "الحوار الوطني الشامل". ورغم ادعاء مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر أن "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" يستند إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني إلا أن الحقيقة أن هذا الاتفاق قد نسف نتائج مؤتمر الحوار الوطني بل نسف المبادرة الخليجية نفسها، ووضع اليمن على خارطة طريق أميركية جديدة يعتبر الحوثيون هم رأس حربة في تنفيذها بالتعاون مع رجال علي عبد الله صالح ورجال علي سالم البيض أحد زعماء الحراك الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب، والذي لم يشارك في مؤتمر الحوار الوطني.
إن ما تفعله جماعة الحوثي يحقق للأميركان بعض أجزاء مخططهم في الشرق الأوسط الكبير، ومع التزام الحوثيين بالسير خلف إيران وغيرها من عملاء أميركا فسيحقق الحوثيون لأميركا بعض الأهداف التي طالما سعت لتحقيقها في اليمن. أما بالنسبة للأهداف الأميركية فتتمثل فيما يلي:
أهداف أميركا من وراء سيطرة الحوثيين
1- يبدو أن أميركا تسعى إلى استنساخ واقع كل من لبنان والعراق في تمكين من يطلق عليهم (الشيعة) من أبناء المسلمين من قيادة البلاد، أو على الأقل من التحكم في قرار التسيير لشؤون البلاد. وذلك من أجل تقوية وتمتين ما يطلق عليه (الهلال الشيعي) وحقنه بالثقة وجعله يتصور أن قدراته ترفعه لمستوى إبقائه نداً لقوى (السنة)، وبذلك تبقي أميركا على جذوة العداء والصراع المذهبي بين مكونات الأمة.
وفي حالة اليمن، فبعد كل نزاع دخلت فيه الحركة الحوثية باتت تخرج منتصرة وباتفاق ترعاه مؤسسة الرئاسة بالرغم من تنصلها اللاحق من بعض بنود الاتفاق. وهذا يدل على أن هناك تواطؤاً في دوائر صنع القرار الرسمية بصنعاء، كما يدل على أن أميركا هي من يرعى ذلك التواطؤ ويقف وراءه وبدعم أو خضوع من الدول الإقليمية وعلى رأسها إيران والإمارات والسعودية.
ورغم مطالبة أميركا ومجلس الأمن من ورائها ظاهرياً من جماعة الحوثي بإرجاع ما سلبوه من سلاح وعتاد من مؤسسات الدولة، فإن ذلك مجرد ذر للرماد في العيون. فهذه المطالبة قد جاءت بعد أن نقل الحوثيون السلاح كله إلى مناطقهم. ثم إن أميركا تعمل على إضعاف الدولة في اليمن وتحويلها إلى وضع الدولة الفاشلة التي يسهل التحكم فيها بعد أن فقدت كل مقومات السيادة على قرارها وفي قيامها برعاية شؤون الناس.
ولذلك فإنه من المستبعد أن تقوم الحركة الحوثية بنزع سلاحها وأي حديث من هذا النوع حتى من قبل الحوثيين أنفسهم فهو لمجرد الاستهلاك الإعلامي. والسبب في ذلك أن حركة الحوثي في اليمن تمثل قاعدة أساسية في مشروع الشرق الأوسط الكبير كما ورد ذلك في الخارطة التي أعلنتها "نيويورك تايمز" الأميركية في أيلول/سبتمبر 2013، سواء وبخاصة من حيث تفتيت البلد.
وفي ظل انقسام المؤتمر الشعبي العام ما بين أمانة الحزب عند عبد ربه هادي منصور وبين رئاسة الحزب في يد علي عبد الله صالح، وفي ظل الضعف الذي لحق بحزب الإصلاح، فمن المتوقع بعد اتفاق السلم والشراكة الوطنية أن تصبح الحركة الحوثية (مثل حزب الله في لبنان) صاحبة التأثير الأول على القرارات المتعلقة بالأمن القومي والسياسي والشريك المرجِح في اختيار رؤساء وزارات السيادة والإشراف على القضاء والميزانية العامة والجهاز المالي للرقابة والمحاسبة.
ويبدو أن تأثير الحوثي على القرار السياسي قد بدأت تدركه بعض القوى السياسية وبخاصة في الجنوب. فهذا القيادي في الحراك الجنوبي اليمني لطفي شطارة يصرح قائلاً: "أعتقد أن الوقت قد حان على الجنوبيين أن يعيدوا إحياء قنوات التواصل مع أنصار الله، وهي قنوات كانت قائمة بينهم أيام الحوار الوطني، وكان أنصار الله يتفهمون مطالب الجنوبيين وشكاواهم، وطالما أن أنصار الله أصبحوا قوة سياسية رئيسية اليوم في اليمن، فليس أمام الجنوبيين إلا أن يمدوا يدهم إليهم من أجل إنصافهم أيضاً".
وقد ظهر التأثير الطاغي للحوثيين على الدولة وقرارها السياسي بتوقيع الرئيس هادي على اتفاق السلم والشراكة الوطنية وبشروطهم، ومؤخراً برفضهم ترشيح الرئيس هادي السيد أحمد بن مبارك مدير مكتبه ليتولى رئاسة الحكومة، بذريعة أن السفير الأميركي في صنعاء هو وراء ترشيح المبارك، وقد رضخ مبارك لرغبة الحوثي وأعلن تخليه عن السير في تولي رئاسة الحكومة.
2- إضعاف مركز حزب الإصلاح باعتباره من أكبر القوى السياسية في البلاد لتظهر قوة الحوثيين نداً للأحزاب السياسية الكبرى في البلاد، وحتى يتم التأثير على قوة حزب الإصلاح فإنه لا بد من العمل على إضعاف مصدر قوته المتمثل بخاصة في الحاضنة الشعبية التي يتمتع بها داخل قبيلة حاشد وكذلك الدعم العسكري الذي يلقاه الحزب داخل قبيلته وبخاصة في عائلة الأحمر وداخل المؤسسة العسكرية ممثلة في قائد الفرقة السادسة علي محسن الأحمر.
لقد نجحت الحركة الحوثية في تهجير ما سمي بسلفيي دماج من صعدة إثر حصار طويل أكل فيه الناس أوراق الشجر، وتم ذلك بعد توقيع صلح رئاسي بحجة أن دار الحديث التابعة لهم تعتبر معقلا لـ"مجاميع إرهابية". ثم بعد ذلك زحف الحوثيون إلى محافظة عمران حيث خاضوا حرباً ضد آل الأحمر انتهت بصلح رئاسي في تموز/يوليو 2014م مما أسفر عن خروج آل الأحمر من معقلهم وموطنهم.
ويظهر أن هناك مصلحة كذلك لحزب المؤتمر ممثلاً بأمينه العام الرئيس هادي في إضعاف حزب الإصلاح الذي يمثل منافساً وخصماً سياسياً تقليدياً، وقد ذكر مصدر رسمي طلب عدم ذكر اسمه في اتصال هاتفي مع "القدس العربي" أن "الرئيس هادي عقد صفقة مع مقاتلي جماعة الحوثي تم بموجبها تسليم صنعاء لمقاتلي الجماعة دون قتال". وأضاف المصدر قائلاً: "سلم هادي العاصمة للحوثيين كما سلم لهم مدينة عمران من قبل"، مؤكداً "أن هادي يهدف من خلال ذلك إلى ضرب حلفائه السياسيين في التجمع اليمني للإصلاح الذين يخشى خطرهم عليه في المستقبل". وقال: "أراد هادي التضحية باللواء علي محسن الأحمر الذي يشغل مستشاراً عسكرياً وأمنياً لرئيس الجمهورية، كما ضحى بقائد قوات اللواء 310 حميد القشيبي".
3- الدفع نحو انفصال الجنوب وحضرموت:
بعد أن تمكن الحوثيون من النجاح في تهجير السلفيين من دماج وإسقاط محافظة عمران والسيطرة على العاصمة بدأت تتعالى أصوات من الجنوبيين بضرورة أن يتم النظر جدياً في مسألة انفصال جنوب اليمن والعودة بالجغرافيا إلى ما قبل 22/5/1990، أي إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية بين شطري الشمال والجنوب، وذلك عبر تسهيل عملية انفصال الجنوب وإعلان دولته المستقلة في مقابل ترك الشمال تحت تصرف جماعة الحوثي.
لقد أعطت سيطرة الحركة الحوثية على صنعاء وشمال البلاد الذرائع والمبررات لأهل الجنوب وحضرموت بالدفع نحو الإنفصال بدعوى أنهم انقلبوا على الوحدة أو بحجة عدم الإنسجام المذهبي.
فقد اتهم القيادي الجنوبي البارز المهندس أحمد بن أحمد الميسري عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام –ومحافظ أبين السابق– القيادات السياسية في الشمال بالانقلاب على النظام الجمهوري والوحدة اليمنية وإسقاط مخرجات الحوار الوطني بعد أن أصبحت صنعاء تحت سيطرة الحوثيين وبتواطؤ معظم القوى الفاعلة في محيط صنعاء. وذكر أن صنعاء "ليست اليوم العاصمة للوحدة ولم يعد للجنوبيين فيها أي تأثير على مجريات الأحداث".
ودعا أحمد الميسري كافة أبناء الجنوب بمختلف مشاربهم وعلى رأسهم الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى العودة إلى الجنوب وإعلان الدولة الجنوبية وعاصمتها عدن وتحت توافق قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وبرر الميسري موقفه بقوله: "كنت أنظر إلى الوحدة من منظور المظلة للجميع، الحاضنة لجميع اليمنيين الجنوبيين والشماليين. ومن هذا المعتقد وقفت ضد رغبة إخواني الجنوبيين المطالبين بالانفصال حين كنت أرى فيها الأمل لمداواة جراحاتنا وبناء مستقبل أبنائنا وعلى اعتبار أنها القاسم المشترك التي تحتها يمكن أن تتلاشى تناقضات وتباينات الماضي أو أي رغبات. لكن سيطرة الحوثي على صنعاء أجهض هذا الأمل وأصبح لا بديل للوضع إلا العودة إلى ما قبل الوحدة" .
وبعد يومين من التطورات التي شهدتها العاصمة وسقوطها في يد الحوثيين، أعلن فصيل الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عزمه السيطرة على منطقة يافع في الجنوب، والتي تضم ثماني مديريات، أربع منها تتبع محافظة أبين وأربع أخر تتبع محافظة لحج. وقد أعلن هذا الفصيل أن منطقة يافع لا تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية بصنعاء وأنه شكل مجلساً عسكرياً لإدارتها. وبحسب بيان المجتمعين فإن: "الاجتماع عُقد لتدارس الأوضاع بعد التطورات التي شهدتها العاصمة اليمنية صنعاء وأسفرت عن سيطرة شبه كلية لجماعة الحوثي على مرافق الدولة السيادية والعسكرية".
هذا ويجري الحديث في بعض الأروقة الدولية بشأن مقترحات لحل الصراع و"عدم الاستقرار" في اليمن عبر قيام اتحاد كونفدرالي بين اليمنيين الجنوبي والشمالي وحضرموت، بحيث تجمع بين هذه المناطق صيغة اتحادية كونفدرالية في التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري، ومن ثم تكون صنعاء وعدن والمكلا عواصم دورية للدولة الجديدة. وبعد ثلاث أو خمس سنوات من الوحدة الكونفدرالية يجري استفتاء حول تقرير المصير بالاستقلال أو الكونفدرالية.
أهداف الحركة الحوثية من السيطرة على شمال اليمن:
إن استعمال أميركا للحوثيين من أجل الدفع بمشروعها في اليمن سوف يعود بالنفع عليهم في تحقيق مطالبهم وأهدافهم والتي تتمثل بخاصة في أمرين، وهما، أولاً: الحصول على منفذ على البحر الأحمر في محافظة حجة. ثانياً: ضم محافظة الجوف الغنية بالنفط إلى إقليم أزال. فبمجرد أن أعلنت لجنة تحديد الأقاليم رسمياً في شباط/فبراير 2014 عن تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم في ظل دولة اتحادية، بواقع إقليمين في الجنوب وأربعة أقاليم في الشمال فقد سارع الحوثيون إلى رفض ذلك التقسيم الذي رفضته أيضاً بعض فصائل الحراك الجنوبي المطالبة بفصل الجنوب عن الشمال.
وفي ظل الدولة الاتحادية التي يجري تشكيلها، تم اختيار مأرب لتكون عاصمة إقليم سبأ، الذي تنضوي تحته كذلك كل من محافظات البيضاء والجوف. ويعتبر إقليم سبأ هو الإقليم الوحيد الذي ينتج النفط من بين أقاليم الشمال اليمني الأربعة منذ بدء أول عملية تصدير للنفط من مأرب عبر شركة "هنت" الأميركية في العام 1986، بينما تعتمد بقية الأقاليم على ثروات أخرى.
وبسبب أن مواقع الحوثيين جاءت في إقليم أزال الخالي من الثروة أو أي منفذ بحري إلى جانب محافظات عمران وصنعاء وذمار، فإن ضم محافظة الجوف إلى إقليم سبأ قد تم رفضه من قبل جماعة الحوثي التي ترغب في أن يجمعها إقليم واحد مع محافظة الجوف الغنية بالثروات. ولذلك يضغط الحوثيون من أجل توسيع إقليم أزال ليضاف إليه محافظة حجة حتى تحظى بمنفذ بحري ويمتد شرقاً للجوف الغنية بالنفط.
ولتعزيز موقفهم في فرض رؤيتهم السياسية بقوة السلاح ولتأمين إلحاق محافظتي الجوف وحجة مستقبلاً، قام الحوثيون بمجرد السيطرة على صنعاء بنقل كميات كبيرة من الأسلحة والمدرعات إلى عمران وصعدة بعد أن استولوا عليها من مقر الفرقة الرابعة. كما قام الحوثيون بالسيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وكذلك مقر المنطقة السادسة أي مقر الفرقة الأولى مدرع سابقاً، الذي كان يرأسه اللواء علي محسن الأحمر وقاموا بسلب أسلحتها بالكامل.
تحالف الحوثي مع صالح والبيض:
في الواقع ما كان للحوثيين أن ينجحوا في تحقيق هذه المكاسب السياسية والعسكرية في صعدة وعمران وأخيراً صنعاء لولا التحالف الذي يوجد بينهم وبين علي عبد الله صالح. وهذا ما أكده عبد ربه منصور هادي نفسه يوم 19/9/2014 من أن قيادات عسكرية ما تزال تتلقى توجيهات من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. مما يفسر الدخول السهل لجماعة الحوثي إلى صنعاء.
فالحرس الرئاسي الذي ما زال لعلي صالح فيه نفوذ كبير هو الذي سلم مقر المنطقة السادسة التي كان يشرف عليها اللواء علي محسن الأحمر. وفي الوقت الذي لقي فيه الحوثيون موقفاً صلباً في معاركهم مع الدولة بين 2004-2010 أيام علي عبد الله صالح، نجد أن الجيش اليمني قد تعامل بشكل متراخي بل بتواطؤ مفضوح في معاركه مع الحوثيين في صعدة وعمران وصنعاء.
إن ما يجمع بين علي عبد الله صالح وعبد الملك الحوثي هو العداء لآل الأحمر وجناحهم السياسي الممثل في حزب الإصلاح وسندهم العسكري الممثل في العميد علي محسن الأحمر. ويعود التحالف بين صالح والحوثيين إلى بداية التسعينات بعد انتشار حزب الإصلاح في شمال اليمن وبخاصة في صعدة. ولوقف تمدد الحزب عقد علي صالح اتفاقاً مع الحوثيين بإزاحة حزب الإصلاح من هذه الأماكن.
إلا أن زعماء الحوثيين مع أواخر التسعينات بدؤوا في تبني أفكار التشيع الجعفري بدل الفكر الزيدي وبدأ يظهر ارتباطهم وتواصلهم المباشر مع إيران من خلال بعثاتهم إلى بيروت وطهران. بل إن زعيم الحوثيين حينذاك حسين الحوثي بدأ يعلن التمرد على الدولة اليمنية من خلال جمعه للزكوات في صعدة وتخومها. وهذه الأمور كلها لم تعجب علي عبد الله صالح الذي أعلن الحرب على الحوثيين في حزيران/يونيو 2004 بعد اعتقال حسين الحوثي بتهمة إنشاء تنظيم مسلح داخل البلاد والسعي لإعادة الإمامة الزيدية وإسقاط الجمهورية اليمنية.
ورغم الخلاف بين صالح والحوثيين إلا أن هؤلاء لم يشاركوا في ما سمي بثورة شباط/فبراير2011م إلا بعد أن أدركوا الأمارات الدالة على سقوط علي عبد الله صالح وتلقي زعماء المتظاهرين من حزب الإصلاح إشارة بمغادرة الميادين بفعل المبادرة الخليجية التي حمت علي عبد الله صالح في ماله وشخصه وعائلته من أي ملاحقة قانونية مقابل تولي نائبه عبد ربه منصور هادي رئاسة الدولة في المرحلة الانتقالية.
وفيما تحالف عبد ربه منصور هادي ظاهرياً مع حزب الإصلاح واللواء علي محسن الأحمر، عاد علي عبد الله صالح إلى حلفه القديم مع الحوثيين وانضم إليهم في هذا التحالف جناح الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال بقيادة علي سالم البيض. وقد نجح الثالوث صالح والحوثي والبيض في افتعال الأزمات عبر مهاجمة المدن وتعطيل نشاطات الخدمات الحكومية في العاصمة وبقية المدن بالمظاهرات والمواجهات وتخريب الوضع الداخلي.
فهذا الثالوث يقف وراء الكثير من أزمات البلاد مثل انقطاع الكهرباء وأزمة المحروقات بسبب الهجمات التي كان يقف وراءها رجالهم ضد أبراج الكهرباء وأنابيب النفط ودفع المخربين لقطع الطرقات واحتجاز ناقلات الوقود. ورغم اختلاف أهداف كل من صالح والحوثي والبيض إلا أنهم يشتركون في العمل للتخلص من حزب الإصلاح وعائلة الأحمر وبخاصة اللواء علي محسن الأحمر.
أما من حيث أهداف كل واحد منهم فهي متنوعة؛ فبالنسبة لعلي عبدالله صالح فإن تخلصه من اللواء علي محسن الأحمر كان بسبب وقوف هذا الأخير ضد ترشح أحمد نجل صالح لرئاسة الدولة بعد أبيه وكذلك بسبب وقوفه مع "ثوار فبراير 2011". ولذلك يطمح صالح في العودة من جديد للحكم من خلال فوز ابنه أحمد بالانتخابات الرئاسية القادمة، وهو الذي يعمل حالياً سفيراً في الإمارات.
أما علي سالم البيض فإنه يسعى ضمن الحراك الجنوبي إلى فصل جنوب اليمن بعد أن قبل بها لأسباب ظرفية في 22/5/1990، ثم انقلب عليها في نيسان/أبريل 1994 مما اضطر علي عبد الله صالح أن يدخل معه في حرب انتهت بدخول قوات صالح إلى عدن والمكلا في 7/7/1994. واضطر علي سالم البيض وأنصاره للهروب إلى عمان، وهو الآن مستقر في بيروت ويحظى بدعم إيران وحماية حزب الله.
أما الحوثي فهو يرغب في التوسع الجغرافي بالحصول على منفذ بحري في محافظة حجة التي ألحقت بإقليم تهامة وفي السيطرة على المناطق النفطية بمحافظة الجوف التي ألحقت بإقليم سبأ. والحوثيون يسعون في هدفهم الأعلى إلى إعادة الإمامة التي أسقطتها أميركا في انقلاب المشير عبد الله السلال عام 1962 أو على الأقل إقامة حكم ذاتي في شمال اليمن مع التأثير في أي قرار سياسي أو أمني يصدر من صنعاء؛ ومن المحتمل جداً أن تستخدمهم أميركا في تأجيج الأوضاع في السعودية عندما يبسطون سيطرتهم على كل محافظات الشمال.
الخاتمة
رغم ثبوت تواطؤ العديد من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في تمكين الحوثيين من صنعاء، ورغم الصراخ العالي لعبد ربه منصور هادي حول أن ما حدث هو مؤامرة وانقلاب، إلا أن هذا الأخير لم يجرؤ على تقديم أية شخصية سياسية أو عسكرية للمساءلة أو المحاكمة القانونية. وهذا يؤكد أن أميركا هي التي كانت تسوق الجميع طوعاً أو كرهاً نحو تنفيذ مخططاتها في اليمن.
أما قيام أميركا من حين لآخر بشكل مباشر أو من خلال القرارات الأممية بالتنديد بالحوثيين فهو مجرد كذب؛ لأنها في الواقع هي التي تدعم تحركاتهم سراً من خلال إيران والسعودية والإمارات. ورغم أن القرار الأممي رقم 2140 تضمن تهديداً باستخدام القوة تحت طائلة البند السابع لمن يعرقل العملية السياسية إلا أن أميركا لم تحرك ساكناً أمام تقدم الحوثيين نحو العاصمة، وحتى بيان مجلس الأمن ليوم 12/7/2014 والذي دعا الحوثيين والجماعات الأخرى إلى الانسحاب من عمران وتسليم المعدات العسكرية المنهوبة إلى جيش الدولة كان مجرد حبر على ورق.
أما دعوة مجلس الأمن الأخيرة إلى تطبيق الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة الوطنية فقد جاء بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة وقاموا بنهب معدات وعتاد الدولة العسكري ونقلوه إلى خارج العاصمة في مواقعهم بشمال اليمن.
ورغم أن الحوثيين يتلقون دعمهم الرئيسي من إيران، إلا أن السعودية قدمت لهم الكثير من الدعم سواء بالتخلي عن سلفيي دماج في صعدة أو عن آل الأحمر في عمران. وهذا يؤكد مرة أخرى أنه رغم الاختلاف أو الخلاف الظاهري بين السعودية وإيران إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتحقيق المصالح الأميركية فإن الخلافات بينهما تزول؛ وهذا ما أكده اللقاء بين وزيري خارجية البلدان في نيويورك مؤخراً.
إن أميركا ومن ورائها الغرب الكافر الذين لا تزال تسيطر عليهم مشاعر العداء بل والحقد على الإسلام والمسلمين يخططون لإبقاء أمتنا تحت سيطرتهم، وذلك لخشيتهم من قدرات الأمة الإسلامية التي تصدرت لقيادة العالم قرونا طويلة. وهم يدركون كذلك أن عودة الإسلام إلى الحياة يعني دولة قوية للمسلمين مما يشعرهم بتهديد مصالحهم، ولذلك فهم في انشغال دائم في تتبع أحوال الأمة الإسلامية، ووضع الخطط لعرقلة نهضتها على أساس الإسلام، ومن أبرز أهدافهم تحقيق الفصل المذهبي والعرقي بين أبناء الأمة الإسلامية وزيادة تفتيتها، وإذكاء نار الفتن بين أبنائها بجعل الأمة تصطدم ببعضها، فتفقد خيرة شبابها وتستنزف مقدراتها. بل إنهم يعملون جاهدين على تشويه مفهوم الخلافة في أذهان المسلمين حتى تفقد الأمة أملها في التغيير والانعتاق من قبضة الغرب الكافر، وتتخذ العلمانية دينا لهذه الأمة التي شرفها الله بالإسلام.
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}
منظمة شباب الوحدة
15/ذي الحجة/1435هـ
9/10/2014م.